اختلف العُلماء في حُكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلواة السرية والجهرية على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الركعات السرية والجهرية، سواء سمِعَ المأمومُ قراءةَ الإمام في الجهرية أم لم يسمَعْها، وسواء مكنه الإمامُ من قراءة الفاتحة أم لم يُمكنْه.
وهذا قول عُمر بن الخطاب، وعُبادة بن الصامت، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، والبُخاري، وابن حزم، والشافعي في الجديد، وعليه أكثر أصحابه، وقال به إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث، واختاره ابن حزم الظاهري، والشوكاني، والصنعاني .
واستدلُّوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن عُبادة بن الصامت، قال:
كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامِكم؟))، قلنا: نعم يا رسول الله قال: ((لا تفعلوا إلَّا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))؛ رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وابن حِبَّان وابن خُزيمة وأحمد والحاكم والدارقطني والبزار .
وجه الدلالة من هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب))؛ أي: لا تقرؤوا وراء الإمام إلا أن تكون القراءة بفاتحة الكتاب، فدلَّ هذا دلالة واضحة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم مُطلقًا دون تفريق بين الصلاة السرية والجهرية , وسواء ترك الإمام فرصة للمأمومين أن يقرؤوا الفاتحة أم لا .
وأجيب عن ذلك: بأن هذا الحديث وإن صححه أو حسنه بعض أهل العلم , لكن ضعفه أيضا بعض أهل العلم , فمثل هذا السند المختلف فيه لا يصلح أن يعتمد عليه في استنباط حكم شرعي يترتب عليه صحة صلاة المسلم أو بطلانها
فقد ضعفه الإمام أحمد , وشيخ الإسلام ابن تيمية , ومن المعاصرين الشيخ الألباني , وغيرهم
الدليل الثاني:
عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))؛ رواه البُخاري ومُسلم.
وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة)) وصلاة هنا نكرة، والقاعدة في الأصول: “أن النكرة في سياق النفي تفيد العُموم” , وهذا يدل على أن هذا الحُكم عامٌّ لكل مُصلٍّ , فلا تصح الصلاة بدون قراءة فاتحة الكتاب , سواء أكان المصلي إمامًا أو مُنفردًا أو مأمومًا ؛ وسواء أكانت الصلاة سرية أو جهرية , وسواء ترك الإمام في الصلاة الجهرية فرصة للمأمومين أن يقرؤوا الفاتحة أم لا .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج , فهي خداج , فهي خداج , غير تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك…”؛ رواه مُسلم.
وجه الدلالة من هذا الحديث: أن قوله: ((صلاة)) نكرة تفيد العُموم، ولم يُفرِّق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاة المأموم والإمام، ولم يُفرِّق بين جهرية وسرية، والقاعدة في الأصول: “أن الأصل في العام أن يبقى على عُمومه حتى يدل الدليل على التخصيص”، قالوا: ولو كان المأموم مُستثنى لقال: إلا المأموم أو إلا من كان يُصلِّي وراء الإمام.
وقوله: ((فهي خِداج)) يعني فاسدة.
ونُوقش الاستدلال بهذين الحديثين : بأنهما وإن دلت الفاظهما على العموم , لكن وردت أدلة تفيد التخصيص واستثناء المأموم من هذا العموم , ولا يشترط أن يأتي الاستثناء أو التخصيص في نفس الدليل , بل قد يأتي الاستثناء أو تخصيص العام في دليل آخر مستقل
من أدلة استثناء المأموم من هذا العموم
يقول الله تعالى : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]؛ فالآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن في الصلاة الجهرية، فيحمل مدلول الآية على الصلاة الجهرية، ويحمل مدلول الحديثين على الصلاة السرية جمعًا بين دلائل الكتاب والسُّنة
وهناك أدلة عديدة أخرى على تخصيص العام واستثناء المأموم من الوجوب سيتم ذكرها بعد قليل بإذن الله تعالى
الدليل الثالث:
عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام، فقال: (اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت، قال: وإن جهرت)؛ رواه البيهقي والحاكم والدارقطني، وقال: رواته كلُّهم ثقات وصدق، فإن البُخاري ومسلم قد احتجَّا بجميع رواته.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
ونوقش هذا الدليل بأن كلام سيدنا عمر رضي الله عنه اجتهاد منه , وقد خالفه غيره من الصحابة كما سيأتي , وإذا اختلف الصحابة في مسألة فيكون الترجيح بين أقوالهم باختيار القول الذي تدعمه الأدلة من القرآن والسنة
القول الثاني:
لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم لا في الركعات السرية ولا الجهرية , وهو قول الحنفية ورواية عند الحنابلة
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ رواه ابن ماجه، وأحمد، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله.
وقال الزيلعي رحمه الله: (له طُرق أخرى، وهي وإن كانت مدخولة؛ ولكن يشدُّ بعضُها بعضًا)؛ انتهى .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن المأموم يحمل عنه الإمام القراءة، وهذا شامل لفاتحة الكتاب وغيرها.
ونُوقِش هذا الحديث: بأنه ضعيف.
قال البخاري رحمه الله: (هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم لإرساله وانقطاعه)؛ انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله: (في إسناده ضعف، وقد رُوي من طرق، ولا يصحُّ شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم)؛ انتهى .
وقال ابن حجر رحمه الله: (له طُرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة)؛ انتهى .
وقالوا: ولو صح فهو محمول على غير الفاتحة جمعًا بين الأدلة لا سيما وأن أدلة قراءة الفاتحة أقوى سندًا من هذا الحديث.
وقيل: هذا الحديث يحمل على الصلاة الجهرية لا السرية؛ لأن المأموم في صلاة الجهرية مأمور بالإنصات لقراءة الإمام.
الدليل الثاني:
عن أبي بكرة رضي الله عنه:
أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((زادَكَ اللهُ حرصًا ولا تعد))؛ رواه البُخاري.
قالوا: هذا الحديث يُبيِّن أن أبي بكرة رضي الله عنه صحَّتْ منه الركعة، وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمِعَ قراءتها، وهذا يدل على أنها ليست بواجبة.
والجواب على هذا من وجهين :
الوجه الأول :
أن الدليل الشرعي هو الذي استثنى المسبوق وصحح صلاته رغم عدم إدراكه الفاتحة ، وذلك لحديث أبي بكرة رضي الله عنه السابق ذكره
فهذه حالة خاصة ، تصح فيها الصلاة مع أنه لم يقرأ الفاتحة .
قال السبكي تعليقا على هذا الحديث :
” كان ذلك مخصصا للدليل الدال على قراءة الفاتحة للمأموم في كل ركعة ، ويبقى فيما عدا هذه الصورة على مقتضى الدليل ” انتهى من ” فتاوى السبكي ” (1/141) .
الوجه الثاني :
أن يقال : إن القيام ركن من أركان الصلاة ، والمسبوق الذي يدرك الإمام راكعا لم يتسن له القيام الكامل الذي يأتي فيه بالفاتحة ، فسقطت الفاتحة عنه لأجل سقوط محلها ، وهو القيام التام لقراءة الفاتحة ، وإلا فأصل القيام متحقق مع تكبيرة الإحرام .
قال الماوردي رحمه الله :
” وأما قياسهم عليه إذا أدركه راكعا فلا يصح ….
على أن المعنى – فيمن أدركه راكعا – أنه لما لم يدرك محل القراءة لم تلزمه القراءة ” انتهى من ” الحاوي الكبير ” (2/143) .
الدليل الثالث
أنه مذهب بعض الصحابة
فبه قال علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عمر , وغيرهم .
ونوقش هذا الدليل : بأن الصحابة اختلفوا في هذه المسألة على عدة أقوال , والقاعدة أن الصحابة إذا اختلفوا في مسألة فليس قول بعضهم أكثر حجة من أصحاب القول الآخر , ويكون الترجيح بين أقوالهم باختيار القول الذي تدعمه الأدلة من القرآن والسنة
القول الثالث من أقوال العلماء في هذه المسألة :
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الركعات السرية، وكذلك في الركعات الجهرية إذا ترك الإمام فرصة للمأموم أن يقرأ , وكذلك إذا لم يسمع قراءة الإمام في الركعات الجهرية لبُعْد المكان أو لصَمَمٍ فيجب عليه قراءة الفاتحة عملًا بالأصل , واستدلوا على وجوبها في هذه المواضع بعُموم الحديثين السابقين: حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما , قالوا : ولا تجب عليه قراءتها في الركعات الجهرية إذا كان يسمع قراءة الإمام، وهو قول جُمهور العُلماء من المالكية والحنابلة في المشهور والقول القديم للشافعي.
وبه قال سعيد بن المُسيب وابن شهاب وابن المبارك وإسحاق والزُّهْري والثوري، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أنه المُتواتر عن الصحابة والتابعين.
واستدلوا على استثناء المأموم وعدم وجوب قراءة الفاتحة عليه عند جهر الإمام بالقراءة بعدة أدلة
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، وجه الاستدلال في هذه الآية على النحو التالي:
1- أجمع أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في الصلاة؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: (أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة)؛ انتهى .
وقال القُرطبي رحمه الله: (قال النقاش: أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة)؛ انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وقال بعضهم في الخطبة، وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في ذلك)؛ انتهى .
ونوقش هذا الدليل بأن دعوى الإجماع ليست مسلمة , ففي سبب نزول الآية أقوال أخرى , منها أنها نزلت في الخطبة , ومنها أنها نزلت في الصلاة والخطبة
والجواب عن ذلك : أن من نقل الإجماع في نزول الآية في الصلاة هم كبار الأئمة العارفين بمواضع الإجماع والخلاف وقد سبق ذكرهم , وعلى فرض التسليم بعدم صحة الإجماع فعلى الأقل هو مذهب عامة أهل العلم , أكثر أهل العلم من السلف والخلف
ثم لا يمكن فهم الآية إلا على أنها نزلت في الصلاة لأنه لم يقل قائل بوجوب الاستماع للقرآن خارج الصلاة
وأما من قالوا أنها نزلت في الخطبة : فإن كان الاستماع للقرآن في الخطبة واجب , فالاستماع للقرآن في الصلاة واجب من باب أولى
الدليل الثاني:
عن أبي موسى رضي الله عنه:
قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيَّن لنا سُنتنا وعلَّمَنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا الصلاة، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا))؛
رواه مُسلم.
وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا قرأ فأنصتوا))، وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للمأموم أن ينصت لقراءة الإمام، وهذا يدل على سُقوط القراءة في حقِّه، وأنه لا يجب عليه أن يقرأ وراء الإمام؛ لأنها لو كانت واجبة لاستثنى الفاتحة , لكنه لم يستثنيها , فدل ذلك على أن الأمر بالإنساط وعدم القراءة عام يشمل الفاتحة .
ولأن الإنصات إلى قراءة الإمام من تمام الائتمام به، فإن من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لم يكونوا مُؤتمين به.
الدليل الثالث :
أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم ومن ذلك:
1- روى مالك في مُوطَّئه عن وهب بن كيسان أنه سمِع جابر بن عبدالله يقول: “من صلَّى ركعة لم يقرأ فيها لم يصل إلا وراء الإمام “، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
يعني أن من صلى ولم يقرأ في ركعة من ركعات الصلاة : فصلاته باطلة , إلا المأموم فإذا لم يقرأ : فصلاته صحيحة .
2- وروى أيضًا عن نافع أن عبدالله بن عُمر كان إذا سُئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: “إذا صلى أحدكم خلف الإمام تُجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ”، قال: وكان عبدالله بن عُمر لا يقرأ خلف الإمام.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
3- وروى مُسلم في صحيحه عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: “لا قراءة مع الإمام في شيء ” .
4- وروى البيهقي عن أبي وائل أن رجلًا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: “أنصت للقرآن؛ فإن في الصلاة شُغلًا، وسيكفيك ذلك الإمام”، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة وأهل الكوفة من الصحابة وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام)؛ انتهى .
5- عن علي بن أبي طالب قال: “من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة”؛ رواه البخاري في كتاب “القراءة خلف الإمام”، والدارقطني وابن أبي شيبة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(ومعلوم أن النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهر متواتر عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كما أن القراءة خلف الإمام في السرِّ متواترة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل ونفى وجوب القراءة على المأموم مطلقًا مما هو معروف عنهم)؛ انتهى .
الدليل الرابع:
قالوا: إذا افترضنا أن جميع المأمومين يقرؤون خلف الإمام، فيكون جهر الإمام حينئذٍ لمن لا يستمع له، فلا يكون هناك فائدة في جهر الإمام أصلًا
فالمقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة، فقد أمر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته وهو بمنزلة أن يُحدث من لم يستمع لحديثه، ويخطب من لم يستمع لخطبته، وهذا سفه تُنَزَّهُ عنه الشريعة.
الدليل الخامس:
قالوا: إن الاستماع للإمام له حُكم القراءة؛ بل يُطلق عليه أنه قراءة شرعًا
قال الله تبارك وتعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
[يونس: 88،89].
فتأمل قوله تعالى: ﴿ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ﴾ كيف أثبت وجود دعوتين حال كون الداعي هو موسى فقط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى… ﴾ والمعلوم أن الداعي الثاني هو هارون الذي كان يستمع ويُؤمن؛ إذ لو كان يدعو معه لقال: “وقال موسى وهارون”.
فإذا كان من يستمع للدعاء ويقوم بالتأمين يكون بمنزلة الداعي , فكذلك حين يستمع المأموم لقراءة إمامه فيكون بمنزلة من قرأ
الترجيح:
الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث :
أن المأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في الركعات السرية؛ كالظهر والعصر والأخيرتين من العشاء والثالثة من المغرب، أما في الركعات التي يجهر فيها الإمام : فإن ترك الإمام فرصة للمأموم أن يقرأ فحين إذ يجب على المأموم القراءة أيضا , وكذلك يجب على المأموم القراءة إذا كان لا يسمع قراءة الإمام بسبب بعد المكان أو إصابته بصمم , أما إذا كان يسمع قراءة إمامه ولم يترك الإمام فرصة له كي يقرأ : فلا يجب عليه قراءة الفاتحة حين إذ , بل الواجب في حقه الإنصات والاستماع إلى قراءة الإمام
وأيضا بناءا على هذا الترجيح : فإن قام المأموم بقراءة بعض آيات من الفاتحة ثم ابتدأ الإمام القراءة , فعلى المأموم الاستماع وعدم إكمال الفاتحة
وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلمَ النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.